أسراب الهموم ورحيل الروح

تصميم الصورة : أمل الشريف                   

                            أسراب الهموم ورحيل الروح

بين إغفاءة الليل وإنبثاق الفجر  يولد النهار ..
هكذا بدأ صباح جديد لـ " سين " ، ولكن هذا الجديد لم يكسر الصمت الذى اعتادت عليه ..
تحاملت  على نفسها ونهضت متثاقلة كى تغسل ملامح وجهها .. سارت ببطء لتحافظ على توازنها  : ( ياله من دوار مفزع .. آه .. ) ..
تستند على الأريكة .. تتمالك .. ثم تستعيد وعيها ..
حالة من الضيق الشديد  تنتابها كما لم ينتابها أي ضيق من قبل .. ذهنها فارغ .. ذاكرتها معطلة .. مشاعرها ميتة .
( آه يزداد حالى سوءا .. لم أعد أفهم نفسي .. إنكسر كل شئ داخلى فماذا أريد بعد .. اليوم أشعر بإحساس  رهيب غامض يسيطر عليّ .. ربما نهاية يومى هو رحيلى وسكُون نفسى  ) ..
توجهت الى النافذة ونظرت الى الفضاء المحيط بها فما رأت غير بحر ممتد وطيور سوداء تتلاحق فوقه لتكون بقعه داكنة فى السماء كتلك التى بداخلها.
(آه .. كم أتمنى أن أندمس فى بطن هذا البحر..لم أعد  أتحمل البقاء فى هذا المكان البغيض ..) .
وقررت الهروب  ..
 رمتها خطواتها فى عرض الشارع  .. لا تدرى أين تذهب .. تتذكر أمكنة.. تنظر حولها باحثة عن مخرج لأيامها .. كل الشوارع غريبة .. الناس تسير بحركات آلية  وكأنهم فقدوا وجوههم ..  تزداد خطواتها هربا من نفسها .. تمتلئ عيناها بالدموع  تنفجر بالبكاء ولايكاد يسمعها أحد .. فيزداد بكاءها مرارة ..
الريح تشتد .. تواجه جسدها النحيل .. تتلاعب به .. ظلت تقاوم الإندفاع الى الوراء .. لم تبالِ .. ولكنها خطت بخطوات قصيرة .. بطيئة .. تجهش بالبكاء .. حتى كاد يرتفع صوتها ..
مازالت تلك الذكريات اللعينة تتراقص فى رأسها بشكل مزعج والعلامات الزرقاء على جسدها تشاطرها الألم .. تذكرت تلك الكتلة الضخمة التى هانت جسدها النحيل ولم تهتم بنظرات خوفها أو صرخاتها غير نظرات قد خلت من الرحمة .. وأنهمرت من عينيها دموع ساخنة .
وفجأة .. تعثرت قدميها بشئ فسقطت  .. فصرخت .. وردد صدى صرخاتها جدران المدينة  الصامتة الوجوه .. فأنتبه اليها أحدهم .. إقترب منها .. لكنه أدرك أنها فى عالم بعيد لا يمكنه الوصول اليها .. فـ...... غفل عنها !!!
ووقفت حائرة .. تاركة  دموعها تنساب بحرارة شديدة..
الضباب يغلف كل شيئ .. نظرت الى وجهها فى زجاج إحدى المحلات .. ووضعت يديها عليه تتحسسه وكأنها تتأكد من وجوده : ( لقد ضاقت بى الأرض بما رحبت وضاقت علىَّ نفسى ).
عادت " سين " تجرجر قدميها  فى بطء وتخاذل وضربات قلبها تتسارع هلعا  وواصلت سيرها حتى ابتلعها الطريق .
الريح تشتد والبرق يلمع فى صفحة السماء .. يتلوه صوت الرعد المخيف .. و " سين " تزرع الطرقات .. والممرات .. حتى أنهكها التعب .. وأعياها الجوع ..  جلست على أريكة أمامها .. أغمضت  عينيها ووضعت يداها على جبينها : ( أما سبيل لنزع هذه الروح من هذا الجسد ) .
وغاصت فى أعماقها .. تفتش عن شيئ  جميل رابض هناك  بداخلها .. ربما يخفف عنها حملها .. فتاهت بأعماقها .. وأجهشت بالبكاء ..
تنهدت بعمق .. لهيب ينزف من شراينيها .. كأنه حمم بركانية .. تزيد تمزقها الداخلى حفرا واتساعا ..
وشعرت بالنعاس وأدركت أنها تموت .. ساءلت نفسها : ( ربما كنت ميته فعلا .. نعم أنا الآن ميته بلا شك .. اريد شيئا من الراحة .. أريد أن أنام سواء كنت حية أو ميتة .. سأنام ) .

أحست " سين " بيد طفلتها تربت على كتفيها وتمر على شعرها .. تنبهت .. رأت الإبتسامة تفرش وجهها .. فأخذتها بين ذراعيها .. وأدركت أن الأوراق المتناثرة حول مكتبها  وإبنتها حسِّا بما ألمِّ بها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق