كرامتي

   تصميم الصورة : أمل الشريف     
                                   كرامتى

يا إلهى .. لماذا أشعر بكل هذا الألم .. هل انا مريضة لهذه الدرجة .. هذا كان إحساسها عندما
شعرت " سين " بدوار شديد .. فتحت عينيها بصعوبة .. اغمضتهما .. فتحتهما عدة مرات .. حاولت الجلوس على حافة السرير .. نظرت إلى سقف الغرفة ..  أنه يدور معها .. آه .. اخيرا .. هدأت الجدران من سرعة دورانها ..
فراغ بارد تشعر به " سين " بداخلها .. وسؤال دائما  يراودها : هل ستجد يوما من تحكى له عن وحدتها ؟ الجميع مُنشغل بعالمه .. ولاعذر له سوى أن الحياة هكذا ..
ليل طويل تعيشه " سين " وخاصة تلك اللحظات التى تسبق أوبتها الى النوم .. الساعات تمر ثقيلة .. الدقائق بطيئة .. وتملكها خوف شديد .. جعلها تتحسس الحركات .. وتتجسس الأصوات .. ولاحت بعينيها فى أرجاء الغرفة الصامتة .. غرفتها ، عالمها الخاص الذى تهرب فيه من العالم الذى يحاصرها .. كل مطالبها تجدها فى هذه الغرفة ، بنظامها الذى يشبه حياتها المتناقضة .. كتب متفرقة .. لوحة زيتية .. خزانتها .. كرسى هزاز .. دفاتر تمتلئ بخواطرها ..  أشياء مبعثرة .. وأهم مافى غرفتها .. تلك النافذة التى تقابل سريرها .
فتحت " سين " ضلفة النافذة قليلا .. فتسلل منها  تيار هواء كالثلج فى برودته .. وكأن كائن تسلل الى غرفتها .. بُعثرت أوراقها .. فراحت تلتقطها بسرعه وتلملمها .. ولفت نظرها ورقة فيروزية اللون .. تناولتها وأستغرقت فى تفكير بعيد .. بدأت تقرأ ورعشة تنساب فى جسدها ..   ورغم برودة الغرفة .. أحست بحاجة الى مزيد من الهواء .. إتجهت بعفوية الى النافذة وأخذت تستنشق الهواء بعصبية وكأنها تختنق .. توجهت نحو سريرها .. فإنهار جسدها عليه ..  وعاودت القراءة بصمت مُبهم وكأنه حفيف يخدش النافذة  ليملأ زوايا الغرفة الصامتة  :
حينما يضيق الصدر عن كتمان الألم يتمرد اللسان فيمضى باحثا عن آذان ؛ بتلك الكلمات أنهى معك قصتنا وأنهى معها سنوات من عمري ضاعت لأجلك ؛ سنوات فيها وحشة الصحراء ورهبة البحر ؛
الآن ..  انتهى حبي لك .
ملكتك نفسي  .. وقد بذلتها لك راضية طائعة ..  فكنت أبدا طفلي الذي لا يكبر ؛ طلبت حمايتك ووصايتك  ؛ طلبت استعمارك  لعواطفي ولكنك رفضت دعوتي , حاولت أن أعلمك كلمات  الحب ، لتقولها لي .. أو حتى تكذب علىّ ..  وتقول لي ولو مرة واحدة .. أُحِبُكِ ..
ثرت عليك , ركعت أمامك , ووضعت قلبي عند قدميك , تركت العالم من أجلك ؛ فبحثت عنك فلم أجدك , حتى أحسستني وكأنني متسولة لحبك .

 حقا أني مشفقة عليك لأنك لا تعرف روعة الخيال الذي يهيم به المحبون !!
عندها أيقنت أنني أقاوم فيك غرور الرجل , فالرجل يكره أن يبدو ضعيفا  .. وغروره يجعله يتصور أن الحب ضعف , ورأيت نفسي أسير في طريق منحدر لا يقود إلا إلى نقطة أدنى من التي تسبقها ,
 وأحسست شيئا غريبا ؛ شيئا أوجع قلبي : كرهت أن أنال حبك بالسرقة ..
ولكن .. كما  يقال أن التسرب المستمر من بئر ممتلئة سيؤدى بها يوما إلى الجفاف..  فسلمت بالهزيمة .. فهي أكرم للمرء من أن يواصل امتهان نفسه في محاولة بلوغ مالن يبلغه أبدا من أهداف مهما قدم من تنازلات في سبيلها , إنه ألألم الذليل الذي نتجرع مع مرارته الإذلال البشرى ؛
 وقررت أن اختار كرامتي .. وعدم التفريط في حقوقي الإنسانية حتى لو تجرعت في سبيل ذلك أقصى آلام التعاسة .
إنها الكرامة الإنسانية .. التي تتمثل في قدرتى على أن أستغني عن من يتصور أنه لاغني لنا عنه  .. وان أتحمل آلام هذا الإستغناء الإضطرارى المؤلم في  صمت وكبرياء ..  إلى أن تمحو الأيام أحزانى  .. ولا أحد يعرف ربما كل ما أشكو به الآن أفضل أيامى بالمقارنة مع ما يخفيه الغيب  ..                                                                                                       " سين "

آه .. ملأت بها " سين " صمت المكان .. وخطت نحو النافذة بخطوات ثقيله .. وألقت بالورقة الفيروزيه الى الطريق .. وأسدلت الستار .. أطفأت النور.. حتى بدت الغرفة هادئة .. الا من زخات المطر .. التى بدأت تنهمر بغزارة .. وأسلمت نفسها فى نوم عميق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق