لست كبائعة اللبن


    تصميم الصورة : أمل الشريف                           
                           لست كبائعة اللبن

"سين"  فتاة طموحة جريئة تملك أمالا وأحلاما بعيدة .. تسعى جاهدة ، ثائرة لتحقيقها .. لكن كما الحال دائما ، تقف أمامها عقبات فتتعثر ، تقف , ثم تتمرد .. لتصل الى حلمها .. وهى الان تحكى قصتها ربما بها يفيق من هم فى غفله ودفنوا احلامهم بيدهم .. وتواروا خلف أسوارهم  ، تقول :

إن كانت الأقدار قد قضت علينا أن نتجرع مرارة الإحساس بالغدر وفقدان الأمان والسعادة في بعض مراحل العمر  .. فلابد أن نؤمن دائما بحقنا العادل في أننا سننول كل ما حُرمنا منه ذات يوم قريب .
فليس من الغرابة في شيء ، حينما نتحمس ونستميت من أجل إعلاء كلمة حق دائماً وأبدا ، لكن العجب كل العجب ، حينما تقال كلمة حق يراد بها باطل ؛ كأن يجمع فريق من الناس علي أمر لا دلالة له .. سوى تسلسل الأحداث بطريق الصدفه البحته التي لا تدع أمام الناس إلا منطقا واحدا للأسف  وهو التصديق ، ربما لضعف في النفوس .. تلك النفوس التي تختلق الباطل وتزينه بحواشي من أحداث مفتعلة  .. فتنخدع بها العقول الضعيفة التي تخضع للإيحاء ، وتقبل بلا فحص او مناقشة ما توصله لها حواسها التى لاترى إلا في إتجاه واحد.. بعكس العقل الواعي الذي لا يخضع لهوي الجماعة وإن اتفقت ؛ ولا يستسلم لمنطق يكون دليل صدقه الوحيد تتابع الأحداث بصورة معينه.
ذلك هو العقاب المعنوي الذي يقضي به المجتمع ولا يفرق بين مذنب وبرئ ويعاقب الأبرياء عن جرم لم يرتكبوه.. ويطالبهم بدفع فاتوة باهظة من حقهم الطبيعي في الكرامة والأمان والشرف .

ولكن .... أين الجريمة ؟ هل الإرادة الصلبة التي تحقق للفرد ما يهدف اليه تمثل جريمة ؟ هل التطلع الي تحقيق الحلم جريمة يُعاقب عليها ؟ أم ما يرضي أصحاب العقول الضعيفة أن نتواري عن العيون و نتأمل من ينل النجاح والشهرة لنهتف به  .. ونحن لها قادرون !؟
أم ننهج منهج الفيلسوف الألماني" شوبنهاور" الذي أمضي حياته في البحث والتأليف وهو مغمور مجهول حتى شارف السبعين .. فإذا بشهرته تدوي في العالم وينهال عليه التمجيد والتكريم بعد أن فقد حتى القدرة علي الاستمتاع بالنجاح  ، فقال : بعد أن عشت عمرى كله منسيا بين الناس جاءوا يودعونني الي قبري بالطبول .
تلك هي جريمتي أو كما يدعي ذوي العقول الواهنة ؛ فضعفت كضعف عقولهم ولم استطع الدفاع عن نفسي أمام هؤلاء .. الذين يصورونني علي النحو الذي يشاؤون .. وكأنني قطعة من طين في أيديهم  .. إن شاءوا جعلوها قطا  ،  وإن شاءوا ذئبا  .. ثم راحوا يدوسونه بأقدامهم ، وأصبحت بأيديهم ضعيفة عاجزة بلا قوة  ، أسمع فقط همساتهم وضحكاتهم ، وخُيل الىَّ أنني كبيت مهجور ملئ بالأفاعي التي راحت تتسرب من داخلي الي خارجي .. فالهموم كالأفاعي تخرج بالصخب ، وازدادت همومى ثقلا وأحسست أن العالم مليء بالضباب الذى أحجب رؤياي وسمعي .
لكنني تيقنت  .. أن من يُسيئ الي شخص آخر ،  قد لا يكون شريراً ، وإنما مريضا .. ليس بمرض ظاهر وواضح  .. إنما مرض كامن في اللا شعور.. يظهر في صورة تعرف باسم "الإسقاط " .. وهو سلاح نفسي يستخدمه الانسان ضد الآخرين ليتهمهم بالسؤ دفاعا عن نفسه ..  فهو لا يستطيع أن يواجهها  ، او يراها علي حقيقتها ، لأنه لا يريد أن يكتشف كم النقائص التي تتمتع بها شخصيته ، فهذه هي الوسيلة التي يدافع بها عن نفسه  ، حتى لا يري التشويه الذي بداخله  .. فيُكبته ، ويسقطه علي غيره  .. فيتهم غيره وبذلك يتخفف من خوفه وقلقه .
لذلك أزحت الستار ..  ورفعت رأسي عاليا  .. وملأت صدري بالأمل ..  فأنا لست كبطله قصة بائعة اللبن .. التي هزها نباح كلب  ، فضاع حلمها .. تلك الفلاحة التي حملت علي رأسها إناءاً مملوءاً باللبن  ، وفى طريقها الى السوق ، أخذت تحلم ، وتقول لنفسها  : سأبيع اللبن وأشترى بيضا  ،وسيصبح البيض كتاكيت ، وتكبر لتصبح دجاجا  ، وأبيعهم وأشترى غنما وأبيعها جميعاً ،  وأشتري بيتا وأرضا وقصراً وكانت تفكر بصوت مرتفع فسمعها أحد الكلاب ..  فأخذ ينبح ، فتعثرت الفلاحة وسقط الإناء وانكسر وشربت الأرض كل آمالها وأحلامها وسعادتها .
ومن هنا فلا بد أن تنتصر الحياة علي هؤلاء الأشباح وأن تصمد الإرادة لتظل قوية تحقيقا الى ما تهدف اليه .. فالحياة تجارب وعثرات ولم يستمد الانسان قدرته علي البقاء الا من قدرته علي امتصاص الالم واحتماله  .. وان يسقط ليقف .
وأخيراً فإن أصحاب العقول القوية هم وحدهم الذي يُسمع منهم ويؤخذ عنهم أما ذوي الأفكار المختلة فهم ليسوا أمثله ولا يجوز أن يُطمأن الي أحكامهم وآرائهم وأن النجاح سيقطع جميع الألسنة ، ويا أصحاب العقول الضعيفة لابد من التدقيق والتدليل حتى يتبين الحق جليا ونتفادي الوقوع في شراك الباطل الزائف .
 " سين "


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق